يعرقل تعدد الاجهزة الامنية في العراق والمنافسة فيما بينها، الى جانب التناقض في التعليمات التي تتبعها، القضاء بصورة نهائية على الارهاب، بحسب ما يؤكد ضباط تحقيق عراقيون.
ورغم تراجع معدلات اعمال العنف، واعتقال الآلاف من المتورطين فيها، يبقى الوضع الامني بعيدا عن الاستقرار حيث لا تزال الجماعات المتمردة وعلى راسها تنظيم القاعدة قادرة على شن هجمات نوعية.
ويقول ضابط تحقيق في وزارة الداخلية لوكالة فرانس برس ان "ابرز اسباب عدم القضاء على العنف بشكل كامل والسيطرة على رؤوس التنظيمات الارهابية هو تعدد الاجهزة الامنية والتقاطع فيما بينها".
ويوضح ان "كل جهاز يشتغل وفق تعليمات وضوابط تختلف عن الجهاز الاخر، الامر الذي يعقد عمليات التعاون فيما بينها".
وتحول العراق منذ اجتياح القوات الاميركية للبلاد عام 2003، الى ملاذ للجماعات المسلحة وحقلا لاسوأ اعمال العنف على ايدي ميليشيات رات فرصة تاريخية لترسيخ موطئ قدم لها في دولة محورية مثل العراق.
وخاضت هذه المنظمات المسلحة، وعلى راسها تنظيم القاعدة، مواجهات ضارية مع القوات الاميركية حتى انسحابها العسكري التام من البلاد نهاية 2011، الا انها في موازاة ذلك شنت ولا تزال هجمات ضد المؤسسات الحكومية.
وتواجه السلطات الامنية هذه الهجمات عبر 14 جهازا امنيا تحقيقيا.
وترتبط ثلاثة من هذه الاجهزة برئيس الوزراء مباشرة، وستة بوزارة الداخلية، وثلاثة بوزارة الدفاع، الى جانب جهازين تابعين للامن الوطني والمخابرات، علما ان كل جهاز امني يملك معتقلا خاصا.
ويقول الخبير الامني والاستراتيجي علي الحيدري "كل هذه الاجهزة تفتقر الى التنسيق الدقيق فيما بينهما".
ويشير الى ان "بعض هذه الاجهزة بني دون تشريع قانوني اثر الحاجة الملحة لمواجهة الارهاب، وابرزها جهاز مكافحة الارهاب الذي يشرف عليه رئيس الوزراء" والذي اسسته القوات الاميركية.
ويؤكد الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه انه "في حال ايقاف شخص من قبل قوات مكافحة الارهاب مثلا، وتبين انه مطلوب في جرائم اخرى يحقق فيها جهاز اخر، فان مكافحة الارهاب لا تسلمه الى هذا الجهاز".
وذكر ان "اسباب عدم تسليم المتهم هو ان مدير الجهاز الذي يعتقل المتهم يريد ان يحسب الانجاز باسمه واسم مؤسسته، بغض النظر عن التوصل الى فك رموز حلقات التحقيق الاخرى التي قد تقضي على الشبكة الارهابية بالكامل".
ويقود التلكوء في انجاز التحقيقات الى تاخير حسم قضايا اعداد كبيرة من الموقوفين.
ويقول ضابط التحقيق ان "هناك موقوفين يمضون سنوات في المعتقلات ولا يصدر اي حكم بحقهم بسبب عدم اكتمال التحقيقات (...) وهناك موقوفون باتوا يديرون عمليات ارهابية كبرى من داخل السجن".
ويوضح ان "التحقيقات لا تكتمل لان الجهات الامنية الاخرى لا تتعاون وترفض تسليم الموقوف الى جهة اخرى تملك ملفات تتعلق بقضيته، ما يتسبب (...) بالاصطدام بحلقات مفقودة في تسلسل التحقيق".
ويوضح "كل جهة امنية دولة مستقلة بحد ذاتها، وحتى القضاة اصبحوا يتبعون اسلوب الشرطة اذ انهم لا يوافقون على تسليم متهم لجهة اخرى، حيث ان الجهات الامنية والقضائية تريد ان تبرز نفسها وتركز على انجازها الصغير اكثر من حرصها على استتباب الامن في البلاد".
وفي ظل تعثر اكتمال التحقيقات، تنجح اعداد كبيرة من الموقوفين بالفرار من السجن، وكان اخرها هروب 19 من الاسلاميين المتشددين من سجن في كركوك في اذار/مارس، في عملية تبناها تنظيم القاعدة.
وقد اكد الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي ان هؤلاء الموقوفين الذي فروا بعد ان تمكن المهاجمون من تخدير الحراس، قضوا سنوات في السجن من دون حسم قضاياهم.
من جهته، يشتكي ضابط تحقيق عمل في كركوك (240 كلم شمال بغداد) من فساد بات يظلل عمل بعض الاجهزة الامنية.
ويقول لفرانس برس "تمكنا في احد الايام من اعتقال ثلاثة اشخاص كانوا يفخخون سيارة داخل منزل وسط كركوك، الا انها انفجرت بهم بسبب خلل فني ما ادى الى اصابتهم بجروح".
واضاف "قام احدهم بعرض مبلغ 300 الف دولار من اجل تغيير فقرة واحدة في التحقيق وهي ان السيارة انفجرت خارج المنزل وليس بداخله"، ما يعني انهم غير متورطين بالانفجار.
وتابع "رفضت بشدة ذلك، الا انه عند محاكمتهم نجحوا في الحصول على امر بالافراج عنهم بعد ان تعاون معهم شخص في المحكمة وقام بتغيير المعلومات في بعض اوراق التحقيق".
مختار الساتي; توقيع العضو |
|