منتزه الزوراء في بغداد خلال العيد
شكا العديد من الاسر العراقية، التي وجدت نفسها مدفوعة إلى الاحتفال بالعيد في المتنزهات والاماكن الترفيهية، من تعرض بناتها لاسوأ حالات من التحرش من قبل الشباب، من عمر 15 سنة إلى ما فوق الاربعين، ما أدى إلى الاصطدام مع بعض الشباب والعراك بالألسن والايدي، بعدما تمادوا في التحرش إلى استخدام الفاظ نابية وجنسية صريحة.
وتقول النساء إنهن مندهشات مما يسمعن ويرين، وانهن يخفن على انفسهن وعلى بناتهنّ مما يجري في الشارع العراقي، ويتساءلن: "اي قلب يطاوعهن لترك بناتهن يمشين في الاسواق والشوارع لوحدهن وكل شاب يتعرض لهن بالابتزاز والخوف، فالتحرش الان في ابشع اشكاله وصوره والشباب يتسلحون بمئات الالاف من اسلحته وهم لا يتورعون من الاساءة المباشرة إلى اية فتاة او امرأة أو حتى لمسها، بل والتباهي بذلك".
بذاءة فاضحة
كان المشهد في متنزه الزوراء الكبير في بغداد يشي بالسلوكيات الغريبة ومحاولات التحرش التي يقوم بها الشبان ضد الفتيات، حتى وإن كنّ مع اهلهنّ. فالكلمات تحمل الفاظًا خادشة للحياء، وعبارات ممجوجة
وهناك من يغني الاغاني الدالة على السوء العامر بالالفاظ البذيئة، التي تجعل الفتيات يطأطئن رؤوسهن حياءً، فيما البعض يتجاوز حدود التحرش بالكلام إلى اللمس باليد او بالحركات، وعادة ما يؤدي هذا إلى حدوث معركة كلامية قد تصل إلى العراك بالايدي اذا ما كان يرافق الفتاة شاب او قريب.
وهؤلاء المتحرشون لا يأبهون بمن يمشي مع الفتاة اطلاقا ولا يعيرن اي اهتمام له بقدر ما ان العيون تعلق نظراتها فيها والكلمة تطير اليها.
وتقول سميرة، الموظفة في وزارة الشباب والرياضة: "اشهد بالله ان شباب اليوم بعيدون كل البعد عن الاخلاق، يمارسون السلوك المشين بدون حياء، ويخاطبون البنات بلا رادع من ضمير، ومن الصعب التعامل معهم الا بالمثل، لأن الشرطة لا تلجمهم، وانا لست شابة كما ترى ولا ارتدي ملابس فاضحة او مثيرة، ومع ذلك هناك من يتعرض لي بأي كلمة تخطر على باله".
وتقارن سميرة تحرش الماضي البريء بما يحصل اليوم. تقول: "في السابق كنا نسمع كلمات طريفة وبسيطة، مثل (امي تريد كنة، او عيونك حلوة، امي تسلم عليك، ما اجملك.. وغيرها). الآن، قلة الحياء واضحة على الشبان، واغلبهم يستخدم كلمات الاغاني التافهة، وانا اعتقد انهم خطيرون جدًا على المجتمع".
المسلسلات التركية هي السبب
تقول سرى باسم، وهي طالبة جامعية: "لم استمتع بالعيد، بل وجدت نفسي في ورطة، فأنا محتشمة ما عدا بعض المكياج، لكن سربًا من الشبان لحق بي، وكنت مع امي واخي الاصغر، حتى قالت امي لنعد إلى البيت فرجعنا".
تعتقد سرى ان الامر يحتاج إلى ردع، "والا فالجهل والتخلف سيستشريان في المجتمع بين هؤلاء الشباب والصبيان الذين يعانون من مشاكل عديدة، بدءًا بالملابس التي يلبسونها والصرعات من حلاقة شعر الرأس إلى الازياء الملونة الغريبة،واعتقد ان المسلسلات التركية افسدت هؤلاء الشباب، فكل شاب غير متزوج صار يعاني من الكبت، بحق انه جيل ضائع لابد للحكومة ان تنتبه اليه والا سيضيع اكثر وتكثر مشاكله".
اما فاطمة محمد، الموظفة في احد بنوك بغداد، فلم تتعرض للتحرش في العيد فقط، بل في كل الايام، "حتى اصبح اليوم الذي لا اتعرض فيه للتحرش استثنائيًا، فلا يمكن ان اذهب إلى السوق مثلًا من دون ان اسمع اطنانًا من الكلام الخادش للحياء، وفي بعضه شتيمة، تصور انه يتغزل بي بالشتيمة ويشتم اهلي، واسكت على مضض لانني احترم نفسي اولا، ولانه سوف يتمادى كثيرا ان رددت عليه".
لا أباليون
وقالت رشا نوري، وهي طالبة جامعية: "ما شاهدته خلال ايام العيد في المتنزهات العامة مثل الزوراء والسيدية كان فضيعًا، فالفتاة لا تنجو من كلمات السفالة وقلة الادب،من شباب يرتدون ملابس عجيبة غريبة تدل على انهم شباب لا اباليون، أتوا المتنزهات من اجل التحرش فقط".
اما سمر جابر، الطالبة الجامعية المحجبة، فقد ظنت أن حجابها سيحميها من التحرش الكلامي، "لكنني كنت واهمة، فالشباب لا يفرقون بين هذه وتلك، وهذا يعني ان التحرش لا يمكن ربطه بالسفور، بل هذه حجة سخيفة لتبرير الفعل القبيح، وشبابنا لا ينظرون إلى الدنيا وكيف تطورت وإلى العالم وأين وصل، يل يتمسكون بهذه العقلية البالية بملاحقة الفتيات والاساءة اليهن، وانا اعتقد ان العوائل تتحمل الجزء الكبير من سلوك ابنائها لانها اهملتهم تربيتهم حسن التربية".
العراقيات نهارًا والتركيات ليلًا
وسألت "ايلاف" احد المتحرشين، ورفض ان يذكر اسمه، عما يقوم به، فقال: "ليس لديّ عمل أقوم به، فأضطر للمجيء إلى السوق للالتقاء ببعض الاصدقاء من امثالي، ولاننا بلا علاقات مع بنات، نبحث عن علاقات حب، فنتحرش بهذه وتلك ونسمعهن كلمات جميلة ومثيرة او نذكر ارقام هواتفنا".
يتابع: "نحن نعرف ان هناك فتيات مثل حالنا بلا علاقات مع شباب يردن ان يصادقن، وهكذا نستمتع بالوقت وننظر إلى الفتيات الجميلات في السوق في النهار كما ننظر إلى الممثلات التركيات الجميلات في الليل".
يضيف: "لا تقل لي هل ترضون ذلك لاخواتكن او اقاربكن، فكلهن يتعرضن للتحرش، ما دام هناك شباب هناك صبايا"، وضحك!!
جريمة يعاقب عليها القانون
كان كريم حسن، الموظف في وزارة الثقافة، يعتقد ان التحرش مات مع الاحداث الجسيمة التي مر بها الشعب العراقي، "لكنني للاسف وجدت التحرش بلا حدود وبلا وازع ولا رادع، شباب بعمر الورود يتفنون في خدش حياء البنات، متناسيًا ان لديه اخوات او بنات اقارب ومن الممكن ان يتعرضن لمثل ما تتعرض له بنات الناس من قبله، شباب ضائع، اعتقد ان الفراغ الذي يعيشه هو السبب والجهل كذلك".
اما الباحثة الاجتماعية سهام حسن فترى أن الظاهرة تستفحل وتتزايد مع السنوات ولا يمنعها حجاب ولا سفور، "وهناك عدة اسباب وراء التحرش من ابرزها الكبت، فالشاب الذي لا يستطيع ان يتزوج، او ظروفه لا تسمح له بالزواج الناجح، يضطر إلى ممارسة رغباته في الشارع، ويحاول ان يفرض رجولته بممارسة امر يفتقده، كما ان الجهل يلعب دورًا كبيرًا في التحرش، ويمكن القول إن اغلب المتحرشين بالكلام الذي يخدش الحياء من الجهلة، فلا ارى من المتعلمين من يتحرش بكلمات سوقية، بل يتغزلون بكلمات جميلة لطيفة".
وتقول حسن إن البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية احد الاسباب وراء زيادة التحرش، "والغريب ان البعض يعتقد ان الديمقراطية والحرية التي جاءت بعد العام 2003 منحته فرصة التصرف على هواه، واذا عاتبته يقول لك حرية شخصية، وهو لا يفهم ان للحرية الشخصية حدود وان الاعتداء على الفتيات بالتحرش يحاسب عليه القانون".
وعن تأثير المسلسلات التركية على هؤلاء الشباب، تؤكد حسن أن ظاهرة التحرش ليست جديدة في العراق، "لكنها تنتشر بشكل كبير في المجتمعات التي تعاني من مشاكل وازمات، ومن الممكن ان تكون للمسلسلات التركية تأثيرات حقيقية حينما يريد الشاب ان يترجم ما يراه على الشاشة إلى واقع، لذلك نرى ان الكثيرين صاروا يسافرون إلى تركيا من اجل ارضاء غرورهم وعوقهم النفسي".
دخيلة على العراق
ومن خلال متابعته لهذه الظاهرة، يجدها الصحفي حيدر مجيد النعيمي "دخيلة على المجتمع العراقي بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام، وأجدها صارت مصدر قلق للعائلة العراقية وبالتحديد في ايام الاعياد والمناسبات، اذ تبدأ بتجمع المراهقين وبعض الشباب لتكوين مجموعات تحمي بعضها بعضًا في حالة التعرض لأي بنت، وما قد يصدر من رد فعل الجانب الاخر وسط استمتاع وتفاخر من قبل المجموعة المسيئة".
واضاف: "هذه الظاهرة لم تكن موجودة في المجتمع العراقي، بل تجلت للعيان في اواسط التسعينيات، بجيل كان يسمونه جيل حرب بوش، نسبة إلى حرب الخليج الثانية، ولكن جيل التسعينات لم يكن يجرؤ على فعل أي شيء من هذا بسبب صرامة الامن آنذاك، وخصوصًا ما كان يسمى بـجهاز المكافحة، أما التحرش اليوم فيحدث امام انظار الشرطة والجيش وما من رادع، والأدهى من هذا كله ان الجهاز الامني يشارك في العملية بسبب غياب الوازع الاخلاقي وغياب مراقبة الاهل لأبنائهم".
يرد النعيمي هذا كله إلى افرازات الحرب التي اضرت بالمنظومة الاخلاقية العراقية، "ولهذا ما من حل جذري سوى عودة اجهزة الامن والتخفي بالملابس المدنية لملاحقة المتحرشين، مهما كانت صلتهم بالأحزاب السياسية او حتى الدينية".
ايلاف
piano player; توقيع العضو |
|