ترتدي بغداد بفنادقها المجددة وشوارعها التي فرشت بالعشب والازهار، اجمل حللها لاستقبال القمة العربية التي يرى فيها العراق رمزا لصعوده مجددا كقوة اقليمية كبيرة بعد عقود من الاضطرابات.
وقد عززت السلطات بشكل كبير التدابير الامنية لحماية هذا الحدث الذي تعول عليه كثيرا على ما يبدو وتسعى من خلاله لجني اكبر قدر من المكاسب، فيما تشير تقديرات الى نشر مئة الف رجل لحماية العاصمة اثناء القمة.
الا انه بالرغم من هذه التدابير الامنية ومن انفاق الحكومة العراقية نصف مليار دولار على ترميم وتحديث المنشآت التي ستستضيف اعمال القمة، يبدو ان المتمردين ما زالوا قادرين على تنفيذ ضربات قاسية.
اما البنية التحتية لهذه المدينة التي كانت في يوم من الايام رمزا للنهوض العربي، فهي في معظمها في وضع مذر. والامن يعد الركيزة الاساس في استعدادات السلطات العراقية لاستضافة القمة اذ تم نشر عشرات الاف الجنود وعناصر الشرطة على الطرقات الرئيسية، فيما تحوم الطوافات باستمرار فوق العاصمة ويتم قطع عدد كبير من الجسور.
وقال نائب مستشار الامن الوطني صفاء حسين في مقابلة مع وكالة فرانس برس "هناك المزيد من الجنود المشاة على الارض، والمزيد من الدوريات" مشيرا الى ان القمة ستحظى "بتغطية امنية من الجو".
وذكر حسين ان السلطات العراقية تلقت تقارير استخباراتية حول عزم تنظيم دولة العراق الاسلامية، وهو الواجهة الرئيسية لتنظيم القاعدة، تنفيذ هجمات خلال القمة.
الا انه قال "اعتقد ان الوضع الامني سيكون على ما يرام". واشار الى ان نوع الهجمات الاكثر ترجيحا سيكون "النيران غير المباشرة"، في اشارة الى قذائف الهاون او الصواريخ.
وانجزت القوات الامنية خططا تقضي باغلاق بغداد تماما يوم التاسع والعشرين من اذار/مارس، وهو تاريخ انعقاد القمة للمرة الاولى في العراق منذ 1990، السنة نفسها التي غزت فيها قوات الرئيس العراقي السابق صدام حسين الكويت.
وتم اغلاق عدة طرقات رئيسية منذ ايام، ما ادى الى تفاقم مشكلة زحمة السير الخانقة في العاصمة العراقية، فيما تم تشديد التفتيش عند الحواجز الامنية اذ يقوم عناصر من الامن بالتدقيق في اوراق وارقام السيارات ومقارنتها بقائمة بيانات مهاجمين محتملين.
واعلنت الحكومة عطلة تستمر لاسبوع اعتبارا من 25 اذار/مارس وحتى نهاية القمة، وذلك على امل ابقاء القسم الاكبر من الناس في البيوت. وبالرغم من هذه التدابير الامنية المشددة، تمكن تنظيم دولة العراق الاسلامية من تنفيذ سلسلة من الهجمات في 20 اذار/مارس اسفرت عن مقتل 50 شخصا واصابة 255 آخرين.
ومن بين هذه الهجمات، انفجار سيارة مفخخة في مرآب مقابل وزارة الخارجية في وسط بغداد وقد اسفر هذا الانفجار عن مقتل ثلاثة اشخاص. وسعت السلطات الى تجديد وتحسين اجزاء من العاصمة، وخصوصا ستة فنادق ستنزل فيها الوفود الرسمية والصحافيين. كما رممت القصر الجمهوري الذي بات يعرف بالقصر الحكومي وهو سيكون مقر الاجتماعات الرئيسية للقمة وبنت 22 فيلا للقادة العرب.
وتم تعبيد بعض الطرقات بما في ذلك طريق المطار الشهير الذي كان يسميه الجنود الاميركيون "شارع الار بي جي" بسبب المستوى المرتفع من الهجمات. وتم فرش العشب على جانبي هذه الطريق وزرعت اشجار النخيل لتزين المسار الذي ستسلكه مواكب المشاركين في القمة.
ونشرت على طرقات بغداد لافتات عملاقة ترحب بالقادة العرب مع اعلام الدول العربية جميعها. ويلقي التلفزيون العراقي الضوء على التحسينات التي تشهدها بغداد اذ يقوم ببث مقابلات مفصلة مع مسؤولين حول اشغال تجديد القصر الجمهوري، احد القصور الكثيرة التي بناها صدام حسين وكان مقر السلطة الاميركية المؤقتة التي حكمت العراق بعد اجتياح 2003.
وتفيد تقديرات رسمية الى ان كلفة هذه المشاريع تصل الى ما بين 400 و500 مليون دولار. وقال نائب وزير الخارجية لبيد عباوي لفرانس برس ان "تنظيم واستضافة هذا الحدث الضخم مع البنية التحتية العراقية التي دمرت بالكامل، لم يكن بالامر السهل".
وبالرغم من ان انعقاد قمة بغداد ياتي بعد تاجيل استمر سنة بسبب الاضطرابات في العالم العربي والمخاوف من الاوضاع الامنية على حد سواء، لم تنته اعمال التحديث في بعض الفنادق بعد. كما ان التحسينات لم تتسبب باي تغيير في مشكلات التغذية الكهربائية وامدادات المياه ومجاري الصرف الصحي، الامر الذي يصيب اعدادا كبيرا من البغداديين بالاحباط.
لكن في كل الاحوال، يرى المسؤولون العراقيون ان القمة ستشكل اعترافا بان العراق بات اكثر استقرارا مع تراجع مستويات العنف بشكل كبير مقارنة بسنوات العنف الطائفي المريرة. وقال عباوي "انه اعتراف من الدول العربية بان العراق عاد الى طبيعته. هناك اقرار بان العراق بات الان بلدا مستقرا وهادئا".
مختار الساتي; توقيع العضو |
|