يقدم العالم العربي في قمته التي ستعقد في بغداد هذا الأسبوع شكلاً مختلفًا تمامًا عن اجتماع قادته الأخير قبل سنتين بعدما أطاح "تسونامي" الثورات وحركات الاحتجاج العربية بزعماء حكموا بيد من حديد لعقود طويلة.
وكان القادة العرب اختتموا قمتهم العادية الثانية والعشرين التي عقدت برئاسة العقيد معمّر القذافي في سرت في ليبيا في 28 آذار/مارس 2010. وقد هيمنت على أعمالها مسألة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. واتفق القادة العرب على الاجتماع في آذار/مارس 2011 في بغداد. لكن القمة أرجئت، وجرى الحديث حتى عن إلغائها، لكنها ستعقد أخيرًا الخميس بتأخير عام كامل.
وقد تأجلت القمة في خضم الثورات وحركات الاحتجاج، التي اجتاحت عددًا من الدول العربية، بينها مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا. وخلال هذه الفترة، أطاحت الثورات والاحتجاجات بالعقيد الليبي معمّر القذافي، وأجبر الشارع الرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي واليمني علي عبد الله صالح، على التنحّي بعد عقود من استلامهم الحكم.
ويرى عدد من الدول الغربية والعربية أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يواجه مصيرًا مشابهًا لهؤلاء، إذ تقمع قوات نظامه حركة احتجاجية مستمرة منذ أكثر من عام، ما أدى إلى مقتل أكثر من 9100 شخص وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد علقت عضوية سوريا في الجامعة العربية، على الرغم من ثقلها التاريخي في هذه المنظمة، وفرضت عليها عقوبات.
ويقول مدير مرصد الدول العربية في باريس أنطوان بصبوص لوكالة فرانس برس إن "التسونامي العربي مر من هنا، وقادة الدول باتوا يشعرون بالرهبة من شعوبهم وليس العكس". ويضيف إن القمة في بغداد ستشهد "تمازجًا بين رؤساء الدول (الجدد) ونظرائهم (القدامى)".
وطالت احتجاجات "الربيع العربي"، الذي شكلت وفاة التونسي محمد البوعزيزي بعدما أحرق نفسه في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 شرارته الأولى، دولاً أخرى، مثل البحرين، التي قاد فيها الشيعة تظاهرات مطالبة بالتغيير، وما زال الضغط الشعبي فيها كبيرًا، وبعض مناطق السعودية التي يقول الشيعة أيضًا فيها إنهم مضطهدون. وفي الوقت نفسه، لم تشهد المنطقة من قبل توترًا بين السنة والشيعة كما هو الحال اليوم.
وأفرزت هذه الاحتجاجات التي انطلقت بمعظمها عبر تحركات شبان استعانوا بكل وسائل الاتصال الحديثة، وبينها مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، نجاحات لمجموعات إسلامية، تعرّضت في ما مضى للقمع على أيدي أنظمة الدول التي تنتمي إليها.
فقد فاز الإسلاميون بالغالبية في انتخابات تونس ومصر والمغرب، وباتوا القوة الكبرى في اليمن، ويمكن أن يلعبوا دورًا أساسيًا في سوريا في حال سقوط النظام. وتضفي هذه التغيرات نظريًا طابعًا إسلاميًا على القمة بعدما ظلت الجامعة العربية متاثرة لعقود بأيديولوجية قومية عربية.
وباستضافته هذه القمة على أراضيه، يسعى العراق إلى موقع سياسي متقدم في المنطقة بعد انسحاب القوات الأميركية منه في نهاية العام الماضي، علمًا أن آخر قمة عربية انعقدت في بغداد كانت عام 1990 قبيل اجتياح الكويت.
ويقول ريدر فيسر الخبير في شؤون العراق ومحرر موقع "هيستوريا"، الذي يعنى بأخبار هذا البلد، إنه "سيكون من المثير للاهتمام مراقبة كيفية تفاعل العراق مع قادة مصر وتونس وليبيا الجدد". ويضيف إن "العراق يفضّل التوجّه نحو هذه البلدان، على حساب الدول المحافظة في الخليج".
وتنعقد القمة العربية في بلد لا يزال يعاني أعمالاً عنف يومية منذ اجتياحه لإسقاط نظام صدام حسين قبل حوالى تسعة أعوام، وما زالت حدة التوتر الطائفي بين السنة والشيعة مرتفعة.
وتشهد العاصمة منذ أكثر من أسبوع إجراءات أمنية مشددة تقلل من احتمال وقوع أعمال عنف، إلا أنها تلقي في الوقت عينه بثقلها على أعمال القمة. ويقول بصبوص "ستكون قمة مصغرة: 12 زعيمًا على الأكثر سيقضون أقل من 12 ساعة في بغداد، وسيغادرون في اليوم عينه، من دون قضاء ليلة" في العاصمة العراقية.
الأزمة السورية تلقي بظلالها على القمة وغموض حول مستوى التمثيل
تلقي التطورات في سوريا بظلالها على اعمال القمة العربية التي تستضيفها بغداد الخميس وسط تباين بن الدول الاعضاء حول السبل الكفيلة بمعالجة الازمة المستمرة منذ اكثر من سنة في هذا البلد، قد ينعكس على مستوى التمثيل.
وللمرة الاولى منذ 22 عاما، تستضيف بغداد الزعماء العرب وسط اجراءات امنية مشددة وعلى جدول اعمالها ملفات تقليدية مثل القضية الفلسطينية. الا ان الازمة السورية تبقى حدثها الابرز بغض النظر عن المساحة التي ستخصصها لها رئاسة القمة.
ويرى المراقبون ان العراق يمثل تيارا داعيًا الى حل سياسي تفاوضي للازمة التي دخلت عامها الثاني وقتل فيها اكثر من تسعة الاف شخص وفقا لمنظمات حقوقية، في مواجهة السعودية وقطر اللتين تميلان الى تسليح الجيش السوري الحر المنشق. وقال النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان لوكالة فرانس برس ان "الازمة السورية ستكون النقطة الرئيسة للمباحثات في جلسات القمة (...) القضية السورية ستكون حاضرة رغم غياب سوريا عن القمة" بسبب تعليق عضويتها في الجامعة العربية.
واضاف "سمعنا ان العراق لديه مشروع لمعالجة الازمة في سوريا من خلال الحوار مع المعارضة" السورية من دون الادلاء بمزيد من التفاصيل، الا انه جزم بان العراق "لن يخرج عن قرارات الجامعة العربية".
وحرص عثمان على التذكير بأن "غالبية الدول العربية خصوصًا دول الخليج تقف ضد نظام الحكم في سوريا وتدعم المعارضة"، مشيرا في الوقت نفسه الى ان "القضية السورية اصبحت معقدة خصوصًا، وان المعارضة هناك مشتتة". وبدا العراق خلال الاشهر الماضية غير متحمس لسقوط نظام بشار الاسد، بالرغم من عدم دفاعه بشكل علني عن هذا النظام، وهو موقف يربطه كثيرون بعلاقة الحكومة العراقية بايران، حليفة دمشق الاهم.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي حميد فاضل استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد "من المؤكد ان موضوع سوريا سيكون بندًا رئيسًا في مباحثات القمة، وسيأخذ حيزا كبيرا من المناقشات، لكنني اشك في القدرة على التوصل الى اتفاق بشأن المعالجة اللازمة". وكان الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي صرح الاحد لصحيفة الحياة العربية ان القمة "ستبحث الموضوع السوري كبند اساسي في اطار القرارات التي صدرت من المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية". وقال حميد فاضل "لن تكون هناك سوى خطابات ودعوات إلى معالجة الاوضاع".
ويرى فاضل ان "المعالجة اصبحت صعبة جدا في هذه المرحلة لأن المعارضة والنظام وصلا الى طريق اللاعودة" فيما ان هناك "الكثير من الدول العربية التي تسعى إلى اسقاط النظام السوري، واخرى لا تريد ذلك".
في ظل هذا التباين، يبدو الغموض سيد الموقف حول مستوى مشاركة الدول الاعضاء، وهو امر مرتبط خصوصًا بالملف السوري بحسب المراقبين. وتتوقع بغداد حضور ما بين تسعة و12 رئيس دولة. وقال مصدر دبلوماسي عربي لفرانس برس "ان مستوى التمثيل سيعكس الازمة في الموقف العربي ازاء سوريا، فدول الخليج مثل السعودية وقطر تريدان موقفا متشددًا من النظام السوري، وهو امر قد لا توافق عليه بغداد".
في المقابل، فان اي تمثيل منخفض للسعودية "ستنظر اليه بغداد على انه يدل على عدم جدية السعودية في تحسين علاقتها معها" فيما "لا تستطيع مصر الابتعاد كثيرًا عن الموقف السعودي القطري"، على حد قول المصدر نفسه. وتدرك الحكومة العراقية هذه الاشكاليات، الا انها تسعى بالرغم من ذلك إلى جني اكبر قدر من المكاسب واظهار القمة على انها عودة إلى الدور العراقي في العالم العربي.
وقال وكيل مستشارية الامن الوطني العراقية صفاء حسين لفرانس برس "اذا تحدثنا عن سوريا نفسها، فانها ليست بالقضية السهلة". واضاف "هناك انقسام دولي وآخر على الصعيد العربي، ولا اتوقع حدوث معجزة خلال القمة، ولكن هناك امكانية للوصول الى تقارب في وجهات النظر العربية".
وبغداد عملت طوال الاشهر الماضية على ايجاد سبل جديدة لمعالجة الوضع في سوريا، وتقدمت بمبادرة تقوم على فتح حوار بين النظام السوري والمعارضين. وقال نائب وزير الخارجية العراقي لبيد عباوي لفرانس برس ان "ما نحتاجه الآن هو معرفة كيفية تفعيل وتنفيذ القرارات العربية (...) لغرض اعادة تاكيد خطة العمل العربي والمبادرة العربية". وتشكل القمة بالنسبة إلى العراق محاولة لاستعادة دور اقليمي مفقود منذ اجتياح الكويت عام 1990 بعد اشهر قليلة من انعقاد آخر القمم العربية في بغداد. وللمرة الاولى في تاريخ الجامعة العربية، سيرأس قمتها رئيس كردي هو الرئيس العراقي جلال طالباني.
زيباري: قمة بغداد لن تتطرق إلى أحداث البحرين
اعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الاثنين ان القمة العربية التي ستستضيفها بغداد هذا الاسبوع ستناقش الازمة السورية، الا انها لن تتطرق الى احداث البحرين. وقال زيباري في مؤتمر صحافي في بغداد ان قضية سوريا التي تشهد منذ اكثر من عام موجة احتجاجات غير مسبوقة "مطروحة على جدول القمة"، الا ان "الوضع في البحرين ليس على جدول الاعمال".
واوضح انه "في سوريا الوضع مختلف، لان الموضوع السوري اكثر الحاحا (...) وله تشعبات دولية واقليمية، وهناك اختلافات كثيرة اخرى" مع البحرين، حيث استخدمت السلطات القوة لقمع تظاهرات تطالب بالاصلاح.
واكد زيباري ان هذا الامر لا يعني ان "ليس هناك قلقًا حيال الوضع، ليس في البحرين فقط، بل في ليبيا وتونس ومصر واليمن. ولهذا السبب ستجري بالتاكيد مناقشة الوضع بشكل عام". وفي البحرين، تطالب حركة احتجاجية بقيادة الشيعة الذين يشكلون الغالبية باقامة نظام ملكي دستوري في هذه المملكة التي تحكمها سلالة آل خليفة السنية منذ حوالى 250 عاما.
وقد اكدت لجنة تحقيق مستقلة في تقرير نشر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ان السلطات البحرينية استخدمت القوة بشكل مفرط وغير مبرر خلال قمع التظاهرات الاحتجاجية مطلع 2011. وخلف قمع الحركة الاحتجاجية بين منتصف شباط/فبراير ومنتصف آذار/مارس العام الماضي، والذي ترافق مع دخول قوات سعودية واماراتية وكويتية من درع الجزيرة الى البحرين، 24 قتيلا بحسب السلطات.
وقال زيباري "كيف يمكن لقمة الا تبحث الوضع السوري مع كل ما يحصل من انتهاكات واعتداءات وما نشاهده. اعتقد ان طرح الموضوع على القمة سيكون امرا بناء وايجابيا وليس شعارات". واضاف ان الهدف من طرح الموضوع السوري هو البحث في "كيفية مساعدة الشعب السوري ومعالجة الازمة المستفحلة، ولذلك نعرب عن كل تقديرنا للمعارضة السورية التي عليها ان تتوحد وتلملم امورها ويكون لها موقف وراية واحدة".
وتابع "نحن لدينا اتصالات معهم ودعيناهم اكثر من مرة الى العراق قبل هذا الموضوع، وبعد القمة هم اهلا وسهلا". ويذكر ان زيباري سبق وان اعلن ان المعارضة السورية لن تكون ممثلة ايضا في القمة.
الموضوعات الرئيسة المطروحة على جدول أعمال قمة بغداد
تبحث القمة العربية التي تستضيفها بغداد في 29 اذار/مارس للمرة الاولى منذ 22 عاما، تطورات "الربيع العربي" الى جانب الملفات التقليدية مثل القضية الفلسطينية والملف النووي الايراني.
ويسبق القمة اجتماعا لوزراء الاقتصاد غدا الثلاثاء، يليه اجتماع لوزراء الخارجية الاربعاء، فيما يتوقع ان تستغرق القمة الخميس ساعات معدودة فقط.
وفي الآتي ابرز الموضوعات المطروحة على جدول اعمال القمة:
- سوريا:
علقت الجامعة العربية في 12 تشرين الثاني/نوفمبر عضوية سوريا، احد الاعضاء المؤسسين، في اجتماعاتها بسبب القمع الذي تمارسه قوات النظام في مواجهة انتفاضة شعبية غير مسبوقة. وتشارك الجامعة العربية بشكل فعال في الملف السوري خصوصًا بعد تسمية الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي انان كمبعوث مشترك للامم المتحدة وللجامعة للبحث في معالجة الازمة السورية. الا ان الجامعة العربية تبقى منقسمة حيال هذه المسألة في وقت تسعى قطر إلى البقاء على راس اللجنة المكلفة ملف سوريا.
- تبعات "الربيع العربي":
دفع "تسونامي" الاحتجاجات والانتفاضات العربية الذي بدا اثر وفاة التونسي محمد البوعزيزي في 17 كانون الاول/ديسمبر 2010 بعدما احرق نفسه، الى الاطاحة بانظمة اربع دول حكمت لعقود بيد من حديد، هي تونس ومصر وليبيا واليمن. كما زعزعت هذه التحركات استقرار دول اخرى بينها سوريا والبحرين، وساهمت في زيادة التوتر بين السنة والشيعة في عدد من دول المنطقة.
ـ البرنامج النووي الايراني:
من المتوقع ان تناقش القمة العربية في بغداد التوتر المتصاعد حيال برنامج ايران النووي المثير للجدل، في ظل تعهد ايران بالرد بقوة على اي هجوم اميركي او اسرائيلي ضد منشآتها.
- القضية الفلسطينية:
تشهد القضية الفلسطينية جمودا بسبب انشغال العالم بتبعات "الربيع العربي" من جهة، وعمل الحكومة الاسرائيلية على الحد من اهمية هذه القضية عبر دفع العالم نحو التركيز على التوتر مع ايران.
- الاصلاحات في الجامعة العربية:
يقترح الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي سلسلة اصلاحات تهدف الى تعزيز دور هذه المؤسسة وتفعيل آليات تنفيذ قراراتها.
- الاوضاع الاقتصادية في الشرق الاوسط:
تستفيد البلدان المنتجة للنفط في الشرق الاوسط من ارتفاع الاسعار، فيما تعاني بلدان اخرى مجاورة ازمة اقتصادية وانهيار قطاع السياحة فيها بسبب الاحداث التي وقعت خلال العام الماضي. ومن المتوقع ان تتطرق القمة العربية ايضا الى مشاكل المياه والامن الغذائي في المنطقة.
- مكافحة الارهاب:
ما زالت المجموعات الاسلامية المتطرفة، لاسيما تنظيم القاعدة، تضرب في اكثر من بلد عربي، خصوصا العراق. وقال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان جدول اعمال قمة بغداد "سيتناول ملف الارهاب الذي ضرب الدول العربية كافة، وافضل من يمكن ان يقدم صورة عن خطره وآثاره المدمرة هو العراق".
مختار الساتي; توقيع العضو |
|