يقف طالب العجمي قرب منزل وسط أكوام من القمامة وبقعة كبيرة من المياه المبتذلة في احد احياء بغداد الفقيرة، وهو يحمل رسالة تهديد وجهها اليه مسلحون ما دفعه الى مغادرة مسكنه في 2006.
وكتب في الرسالة التي حملت "تحذيرا نهائيا" للعجمي لمغادرة المنطقة التي كان يسكنها "نحن نعرف كل شي عنك وعن نشاطاتك الطائفية، حان الوقت ليموت كل من حمل الدمار والكراهية لهذا البلد".
وتابعت الرسالة "اعلم انك هدفنا اينما تذهب وهذه الرسالة تحذير لكل الخونة الذين يعيشون في منطقة خميس التاجة" احدى القرى القريبة من ناحية ابو غريب الى الغرب من بغداد. وحملت الرسالة وهي الثانية من نوعها التي يتسلمها طالب توقيع ما يسمى ب"مجلس شورى المجاهدين".
وفي السابق، قتل احد اشقاء طالب بدون اي تحذير، الامر الذي دفعه الى الاسراع في الهروب من المنطقة والانتقال الى مجمع مشيد من الصفيح يطلق عليه اسم "المخيمات". ورغم انخفاض معدلات العنف الطائفي التي بلغت ذروتها بين عامي 2006 و2008، تشير الامم المتحدة الى ان 1,3 مليون عراقي لا يزالون مهجرين في الداخل بعد ان شردوا من ديارهم ليعيشوا بعيدا عنها.
ووفقا لممثل الامم المتحدة في العراق مارتن كوبلر، فان 500 الفا من هؤلاء يعيشون "في ظروف دون المستوى". وتقول كلير بورجوا ممثلة مفوضية الامم المتحدة للاجئين لوكالة فرانس برس ان "الخوف وعدم وجود مكان للعودة بين القضايا الرئيسية التي تفرض على المهجرين البقاء وعدم الرجوع الى مناطقهم".
و"المخيمات" هي واحد من ستة مجمعات تقع في منطقة تشكوك بالكاظمية شمال بغداد، وتعد من المناطق الفقيرة البائسة التي شيدت بيوتها من الصفيح والقصب والسقوف المعدنية والباستيكية. وتغطي المنطقة شبكة عنكبوتية من الاسلاك الكهربائية المعلقة على اعمدة خشبية لايصال كهرباء لتشغيل مصابيح واجهزة تلفزيون صغيرة.
وتنتشر القمامة في الازقة الوعرة ويمر بعضها في قنوات صغيرة لتصريف مياه الصرف الصحي وصولا الى برك شاسعة من المياه المبتذلة. وفي هذا المكان، يعيش طالب مع احدى زوجتيه واثنين من اطفاله التسعة في غرفتين صغيرتين في منزل من الكتل الخرسانية الخام المغطاة بسقف معدني مؤقت، بينما تعيش زوجته الثانية واطفاله الآخرون في مكان آخر.
وللمنزل حديقة صغيرة هي عبارة عن ساحة ترابية مسيجة محاطة بمكب للقمامة من جهة و بركة للماء من جهة اخرى. ويقول طالب (40 عاما) الذي يعمل باجر يومي عندما يعثر على عمل ما ان "هذه المنطقة آمنة، لكن الوضع مزري هنا". ويضيف "اخاف من العودة الى منطقتي".
وكانت حياة طالب تختلف كثيرا في السابق حيث كان يعيش مع شقيقيه في منزلين يملكونهما في منطقة خميس التاجة. لكن الوضع تغير منذ 2006، بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء والذي اثار موجة من العنف الطائفي في العراق.
ويروي طالب "فقدنا كل ما كنا نملك وغادرنا المنطقة دون ان نأخذ شيئا من حاجياتنا"، مناشدا الحكومة لتعويضه عن امواله وممتلكاته. وبحسب مفوضية اللاجئين، فان مخيم تشكوك يضم نحو ثلاثة الاف مهجر وهو واحد من اسوء المخيمات في البلاد التي يعيش فيها نحو نصف مليون مهجر.
وتتولى مفوضية شؤون اللاجئين توفير مساعدات تشمل احواض مياه وابواب وشبابيك، وتقوم بازالة القمامة، لكن الحكومة العراقية لا تجهز المخيم باي خدمات، وتعتبر مكان اقامتهم غير قانوني. وتقول صبرية حمد (49 عاما) وهي احدى المقيمات في المخيمات، انها تعرضت الى التهديد اربع مرات قبل مغادرة منزلها في منطقة الحصوة جنوب بغداد.
واوضحت صبرية التي فرت مع جميع افراد عائلتها انه "كتب في احدى الرسائل: انتم الشيعة لا يمكن لكم البقاء هنا بعد الان"، مضيفة "لم يعطونا الفرصة حتى نحمل اغراضنا من منزلنا". ولم ينج افراد عائلتها من الخطر.
فقد قتل اثنان من ابنائها احدهما كان يعمل في منطقة التاجي شمال بغداد فيما قتل الثاني مع عمه في منطقة اللطيفية جنوب بغداد، كما قتلت ابنتها اثر اصابتها بالرصاص جراء اشتباك بين القوات الاميركية ومتمردين في محافظة ديالى، شمال شرق بغداد.
وتعيش صبرية اليوم مع زوجها وابن معاق و14 حفيدا في كوخ مؤلف من ثلاث غرف صغيرة مبنية من كتل خرسانية مغطاة بصفائح معدنية.
وتقول صبرية بأسى "اقسم بالله لا املك الف دينار"، اي ما يعادل اقل من دولار. وتضيف ان "الحكومة لم تساعدنا ولم تجد لنا اي حل". وذكرت صبرية "نخاف العودة لان قسما من الناس عادوا وقتل بعضهم، ولم نعد نملك مكانا لنعود اليه".
مختار الساتي; توقيع العضو |
|