منذ تشكيل الحكومة التي ولدت بعد مخاض دام أكثر من عشرة أشهر باتفاق أربيل، بقي الصراع قائما ودائما بين السياسيين، واخذ الصراع منحى فاق التوقعات، ويبدو أن هذه الأزمة ليس هناك من أفق لنهايتها، وأصبح العراق بالتالي منخفضا سياسيا رخوا لكل دول الجوار، ولعل التصريحات الأخيرة التي صدرت من دول الجوار وتحديدا تركيا وإيران تمثل التوصيف الحقيقي لهذا المنخفض
والمؤشر الخطير هو أن ردود الأفعال إزاء تصريحات اردوغان والسفير الإيراني جاءت متفاوتة وتعكس ماهية الأزمة وتحديدا بين القائمة العراقية ودولة القانون، وإذا أردنا أن نكون قريبين من الوصف فأن التحالف الوطني كان يمثل خطابا يكاد يكون موحدا من هذه التصريحات، ففي الوقت الذي صبت فيه القائمة العراقية جام غضبها على تصريحات السفير الإيراني، ووصفتها بشتى الألفاظ الحادة، وعدتها تدخلا في الشأن الداخلي، فإنها لم تكن تحمل الانفعال نفسه تجاه تصريحات أردوغان، بل عدتها نوعا من كبح جماح التدخل الإيراني كما جاء على لسان احد نوابها!!، وعلى الجانب الآخر لم يكن التحالف الوطني أكثر توازنا من العراقية، فقد شن هجوما عنيفا وشديد اللهجة ضد اردوغان، واعتبر تصريحاته خدشا ومستفزا للعراقيين، ولكن التحالف لم يكن يحمل الموقف نفسه إزاء تصريحات السفير الإيراني حسن دانائي، وهذا يجعل المراقب لا يحتاج إلى التكهن أو الذهاب بعيدا في تحليلاته، أو أن يلجأ إلى (تفكيك) المشهد السياسي الذي أصبح مكشوفا، ورُفع عنه الغطاء الذي ربما كان يتمترس به هذا أو ذاك، ولم نعد بحاجة إلى بالونات اختبار كي نعرف مرجعية هذا الحزب السياسي أو اي تجمع آخر، ويبدو أن اللعبة وصلت إلى حدودها العليا التي لا يمكن بعدها وضع افتراضات سائبة الأطراف لما سيكون عليه الوضع، ولعل كل الذي حدث وما يمكن ان يحدث لاحقا سببه هذا الوضع والمشهد السياسي المهلهل الذي ما عاد ينظر ابعد من أرنبة انفه، ضاربا وبكل ما تحمل كلمة اللاوعي، مصلحة هذا الوطن، أكثر من مراقب اشر بالقول إن العراقية تمر بأضعف حالاتها، لذا جاء أداؤها غير متوازن تماما، وعكست بتصريحاتها مدى الأزمة التي تمر بها، وبالوقت ذاته فأنها وضعت نفسها بين فكي كماشة، الأول هو انسحاب نوابها من البرلمان وتعليق حضور وزرائها الى جلسات مجلس النواب، ظنا منها أن ذلك سيمثّل ضغطا على خصمها اللدود (دولة القانون)، ولكن حسابات الحقل لم تكن توازي حسابات البيدر، والثاني إنها اختارت التوقيت بشكل غير مناسب لهذه المناورة، وان ليَّ الأذرع الذي كانت تأمله من هذه المناورة لم يتحقق بسبب إن رئيس الوزراء ورئيس ائتلاف دولة القانون في أحسن حالاته ويتمتع بكل مقدرات القوة، فهو ممسك بقبضة من حديد بالملف الأمني، وبالوقت نفسه فهو يتمتع بدعم اللاعبين الرئيسين أميركا وإيران، وهذا يجعل من المشهد السياسي غير متكافئ بالمرة، ويدفعه صوب التأزم أكثر من فتح الأفق نحو الوصول إلى المشتركات على الأقل، ولعل الملفت للنظر أن هذه القوى ليس بينها أي جامع، بقدر ما تمتلك مقومات الفرقة والاختلاف، أميركا الراعي الكبير للعملية السياسية، اكتفت بالتحذير ممّا يجري في العراق، فقد حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من إضاعة فرصة توحيد العراق لتحقيق الرخاء والوحدة قائلة إنه ينبغي أن يتصرف كدولة ديمقراطية تقبل الحلول الوسط. وقالت كلينتون في جلسة أسئلة وأجوبة مع موظفي وزارة الخارجية إن السفير الأميركي في العراق جيمس جيفري بادر في بحث مع الساسة العراقيين ومن بينهم المالكي على تسوية خلافاتهم سلميا. وأضافت أن السفير يتواصل باستمرار مع الأطراف المختلفة بدءا بالمالكي و"يجتمع بهم ويحاول إقناعهم ويلح عليهم ألاّ يضيعوا هذه الفرصة". وتابعت "هذه فرصة لتوحيد العراق والسبيل الوحيد لذلك هو التوصل إلى حلول وسط." ومن المثير أن الوزيرة الأميركية تستعمل كلمة (الإقناع) مع العراقيين، ويبدو أنهم غيروا من بوصلة التعامل فمن التعامل بطريقة الاملاءات وصل الحال إلى طريقة الإقناع والإلحاح، وهذا ما يزيد من إمكانية اتساع هوّة المنخفض السياسي ويجعله عرضة للتدخل من أي طرف كان، ربما لن يقتصر المنخفض على أن يكون جويا تتدنى بموجبه درجات الحرارة من خلال التصريحات، بل يمكن أن تهطل الأمطار بغزارة، وتجعل المشي متعذرا بسبب وحولة المنطقة التي تفتقر إلى أدنى مستويات الحوار، والركون إلى المصلحة الوطنية.
Read more:
https://alsati.all-up.comalsati.all-up.comsotaliraq.com/mobile-news.php?id=40846#ixzz1kjIOcpcJمختار الساتي; توقيع العضو |
|