من بين غبار الفتنة الطائفية يطل وجه عم زكي المعتاد على غبار الرخام الأبيض، النحات الوحيد في منطقة شق الثعبان الصناعية المتخصص في صناعة تماثيل السيد المسيح وأمه
البتول مريم، ومن وراء نظارته الطبية تطل ابتسامته الطيبة تحكي لماذا اختار ذلك المسلم تزيين الكنائس المصرية مهنة له، تلك الكنائس التي استهدف إحداها تفجير انتحاري مع بداية عام 2011.
احترف الحاج زكي منذ سنوات طوال نحت التماثيل الفرعونية والرومانية، وارثة الحرفة عن والده : "منذ صغري وأنا أرى أبي ينحت التماثيل ليلا ونهارا في بيتنا ... عشقت الصنعة وتعلمتها رغم أنني لم أدرسها".
ورغم عدم تلقي زكي دراسة فن النحت، إلا أنه يراعي دراسة أعماله الجديدة جيدا قبل الإقدام عليها، : "قبل أن انحت صورة زهرة اللوتس على إحدى اللوحات اقرأ عنها كثيرا لأعرف كيف تطور شكلها في العصور الفرعونية والفارسية والرومانية".
الد الحاج زكي كان ينحت التماثيل الفرعونية فقط، بينما فضل الابن نحت التماثيل الرومانية لأنها كما يقول أكثر رومانسية وأكثر قربا إلى قلبه.
اهتمام الحاج زكى بالتماثيل الرومانية جعله أشهر من ينحت تماثيل العذراء والأيقونات القبطية في شق الثعبان، تسأل عن تماثيل العذراء قبل أن تدخل إلى المنطقة، فيأت الجواب: "إذهب إلى عم زكي، إيده تتلف في حرير".
كان الحاج زكى يتحدث وأمامه لوحة كبيرة من الرخام الأبيض ينحت عليها رسما للسيدة العذراء وهي تحمل السيد المسيح، يشرح تفاصيل تحفته الجديدة بفخر الكبيرة منها والدقيقة، ويقول: "قرأت التوراة والانجيل لكي أتعلم كيف أراعي كل تلك التفاصيل ... لذا يأتي إلى الورشة كثير من رجال الكنائس لأنحت لهم تماثيل العذراء والمذابح وأزين لهم جدران الكنائس".
زينت يدا الحاج زكى جدران كنيسة خلاص النفوس في بني سويف بجدارية كبيرة تحكي قصة رحلة العائلة المقدسة، وكنيسة ماري جرجس في منشية الصدر بلوحة يوحنا المعمداني وهو يعمد السيد المسيح، وعدة كنائس في ملوي بالمنيا.
ولا يرى زكي المسلم الملتزم تناقدا بين اعتناقه الإسلام وحرفته، ويقول الرجل الذي حج بيت الله الحرام: "ربنا أمرنا أن نؤمن بكل الرسل وألا نفرق بين أحد منهم وأمرنا أيضا ألا نكفر أحدا ... لكم دينك ولي دين".
يحتاج نحت القطعة الواحدة من 10 إلى 15 يوما وخلال تلك الفترة يتعامل زكي مع التمثال باعتباره طفل يمر بجميع مراحل النمو حتى يكتمل تماما. لم يشعر الحاج زكى طوال أكثر من 40 عاما قضاها في نحت التماثيل والأيقونات القبطية، بأي غرابة بل يفتخر بكل قطعة خرجت من بين يديه.
فنحت التماثيل بالنسبة لزكي هي مهمة يتقمص فيها شخصية المخلص، فهو يرى أن التماثيل محبوسة داخل الحجر ودوره كنحات أن يستخرجها للناس.
ولا يبدأ زكي في نحت أيا من تماثيله إلا بعد مشاهدة العديد من الصور للشخصية المطلوب نحتها ثم يذهب إلى بيته، ويفتح كراسة الرسم الخاصة به ويعيد رسم الصورة أكثر من مرة، وفي المساء يذهب إلى سريره حيث تأتيه معظم الأفكار: "أفكر في تفاصيل التمثال نهارا وليلا وتأتيني معظم الأفكار أثناء نومي فاستيقظ في الصباح وأذهب إلى الورشة وأنفذها".